بسم الله الرحمن الرحيم
امسواد.. سويدا الفؤاد
كتب/عبومحمدمقرع
الخميس16سبتمبر2021 8:5 م
امسواد هي سويدا الفؤاد ..انها مسقط راسي.. ذلك الموقع الذي أختير في
بطن الجبل ليعبر عن شواهد بأن من أختار ذلك المكان بالتأكيد ينم عن عقلية عسكرية فذّة جعل من الجبل هيئة حاكمة تؤمّن الرؤيا لأهلها ويحجب الجبل على الناظر القريب ويحبسة حتئ يستدير نحو السحدورية(1) ليشاهد خداع ذلك الجبل الذي خفٱ في بطنه سكن وسكان يحملون البشاشة والبساطة.
أنها امسواد الواقعة والتي كانت تصحو على أذان حسين امبلعيد وعلي حيدره بحاديهم(2)المشهود قبل أذان الفجر وشعيرة الصلاة.. الحادي الذي لامثيل لة كسنفونية لاتحتاج لمذياع يرفع صداها لأذان شنفة.. ومن بعدة يشديك الصباح بهدؤة يخالطة صوت المناحيز وعوالي المطاحن كأنها أيقونة الصباح المعتادة..
بريح أمسواد الباردة تهب اليك نيران المواقد ونسائم الطحين وخبيز الدخن والذره والهند.. يخالطها عبق مقهاية الياقرومنصورالهندي وشاهي القصاع الذي ينفح أريجة من مقاهاتهم.. ترتشفة الشفايف في الصباح كأنة طقوس يومي لعابد مغرم لصومعتة.. وبه عادت بي الذكرئ لأقوال بن تيسير زهاء ستين عاما حين شدى بقريحته علئ صوت(السمرة اليرامسي).
يقول بن تيسير واشاهي قصاع
وش نزل القصعه وهيه بين السماء والقاع
في أمسواد الجميلة مناظر وخميلة تشدّك لبعض الطرائف والنوادر والمناظر.. وأجمل ذلك المناظر حينما تأتي السيول في كبد المساء ونصحوا اطفالا على نقيق الضفادع وخريرالجرب الساقية كقطيع أمقرع ومّاح وخضير ومحلي.. تشاهد الرجال والنساء والأطفال
مهرولون نحو.. يحملون الطرابيل والسلق ويتداعوا لجلب المرامص (3)أستعدادا لأنكفاء الارض مما انعم اليها من غيث الرحمن.. غالبا مايكون الجوباردا نتسابق لنشتم رائحة التراب العفر المخلوط بشذاب مياة الكرع ولساننا يردد ببساطة الطفولة (من يريد ان يكون شاعرا فليشرب من مقدمة السيل).
منظر أمسواد الجمالي يكمن النظرالية من اعلى قمة جبل (دار الشعب )وحين تمد ناظرك نحو بساط الارض الساقية والجرب الراوية بزبد السيل المتراكب في الوادي تشعر بوحي السعاده وقدوم الخير الوفير.. وقدأشادبهذا المنظر الفنان(فيصل علوي) حين قدم في مطلع سبعينات القرن الفارط لأول مرة وتحديداً لأحياء مخدرة الطبيب المرحوم/حيدره الرماح وكانت أمسواد حينها أكتست حلتها في موسم القطن طويل التيلة وبزهرتة الصفراء طوّقت جوانب الأرض والجبل من أرض شداد وباحمض والقيانة والعجيماء والمصانع وبين امسود جنوبا وحتى شعب الوجاة وأرض العطف شمالا..
وقتها قال فنانا الكبير (فيصل علوي) بلكنته اللحجية بعد ان اعتلئ حصن دار الشعب وبعد تنهيدة سمعها من كان حولة.. قائلا:المفروض يكون موقع المخدرة هنا !!..هنا عالطبيعة وروعة ابداع الخالق.. فشدّه المنظر ونسيم العليل ولم يحتمل فنزل مكرها للمخدرة بأسفل الجبل وتحديداً (السحدوريه )..اخذ عوده نهارا مبتدءاً سهرتة وشدا بأغنية (محمدجمعه خان) (بسألك ياعاشور عن حال البلد) و(ياهلال الفلك) وغيرها من الأغاني.. وبأبداع الأرض أضاف علوي أبداعاً آخر تراقصت معهُ الآذان السميعة للطرب والفن ليرامس واهلها.
في قريتي الحبيبه أمسواد شيّدت مدرستان أحدها في مطلع الخمسينات واخرى فتحت في منتصف السبعينات من القرن المنصرم.. الاخيرة هي مدرستنا التي فيهادرجنا وتعلمنا أبجديات الحرف وتحت نظر معلمينا التي خطت أقلامهم الشريفة حروفا اخرجتنا من الجهل للمعرفة..أنهيت مراحل دراستي فيها ومن كان معي في العام (1984) حين كان مديرها أستاذنا القدير(علي عبدالله حنيش)..
كان لمدرستنا فناءٌ جميل تحيط بها الأشجار من كل جانب.. يستقبلنا ذلك الفناء صباحا بملابسنا البيضاء كبساط قلوبنا التي لاتفرق أبيضنا من أسودنا او غنيّنا من فقيرنا.. شعارنا واحد وهدفنا واحد هو التعلم ولاسواه.
تخرج من ذلك الفناء كوكبة من كوادرنا التعليمية منهم الأساتذه ومنهم الاطباء ومنهم المهندسين والضباط والقادة.. وكانوا شاهد عيان لثمرة جهد معلمينا ومعلماتنا الذين أفضوا حياتهم ليخرجوا ذلك الجيل في أحسن صورة.. امثال الاستاذ/محمد حجاشي-ناجي علي حيدره-عوض راجح-علوي محمد-سيجر-عبدالله عقيل-خالداحمدطالب-محمدالطبيل- محمددنبع-حسين العاقل- سعيدالوعل-القادري علي جابر-علي عبدالله حنيش-حسين احمد سعيد ومحمد حسن مشقف -صالح هود-صالح عثمان-جمال عثمان-سالم منصوردعن-سالم صالح مرزوق-عوض حميدسليمان -صالح عوض باقس-ناصرعلي خضر.. والامهات الفاضلات (بنت حسن علي- وبنت تيسير). ..عافا الله من كان حيًّا وأمدّهم الله بالصحة وغفر لمن توفاهم وأسكنهم فسيح جناتة.
في مدرستي معلمون ومعلمات أكفياء.. أداروا العملية التعليمية باقتدار وكانت هناك نشاطات لاصفية يشرفون عليها تتمثل في الرسم والنحت وأقامة الجمعيات والمسابقات الاسبوعية وكذا المسابقات الفنيه ..ترى مدرستي زينت كأنها خلية نحل تعج بالنشاط والحيوية.. ذلك النشاط يسوقنا الى مهرجان سنوي شامل مع مدارس قرى يرامس الآخرى.
كان موقع المسابقه يتنوع مرة في أمسواد وأخرى في قرية الجول.. ولهذا المسابقه نعدانفسنا للتسابق في شتّى المجالات بمافيها المسابقات الرياضية.. كسباقات مائة المتر وسباق التتابع وشدالحبل وأشعال الفوانيس وسباق الزحف والعقرب وسباق الكراسي وسباق الجواني وغيرها من المسابقات الأخرى.
كانوا أهالينا يزينون فعالياتنا بحضورهم المستمر..وأحضارهم لصنوف الكعك والحلوى ومشروب الديبيز والسنكويك وعلب الكندا دراي الغازية.. وبحضورهم يتم تشجعينا وتكريمنا بعد الفوز بتلك المسابقات.. ومن خلال اسدال تلك المسابقات بيوم او يومين يقرروا معلمينا وادارة مدرستنابأعلان النتائج العامة بحضور الاهالي.. مبتدئين ذلك الأنجاز بنتيجة الصف الأول وحتى الصفوف الثمانية.. ليسدلوا لآخر ثمار جهودنا وجهودهم للعام الدراسي.
كم كانت الفرحه تغمرنا لسماع تلك النتائج.. وكم كانت قلوبنا تتطايروتتسارع ضرباتهامن شدّة الفرح في صباحنا الجميل .. وكم كانت رؤسنا ترتفع وتشتد كأنها تعانق سماءنا الصافية في يومنا البهيج.. وتحديداًحين سماع أسماءنا حاز ذكرها ضمن المتفوقين الأوائل.. وكم كانت الفرحة تغمرآباءنا وأمهاتنا وهم يرونا نتقدم بخطى ثابتة لبلوغ ذلك المسرح(مسرح المدرسه) لأستلام الشهادة والجائزة معاً..انها تلك الايام قد خلت!! وياليت جزءامنهايعود!!
ايضا في قريتي العريقه عيادتان للتداواي أحدها أسسّت في اواخر الأربعينات وأخرئ في أواخر الثمانينات.. كانت الأولى بمثابة ام القرى يرتداها المرضي من كل النواحي والبوادي المجاوره.. بل كانت مستشفانا ومشفى لعلاج كل الامراض بطبيبها الأوحد الذي يجيد كل التخصصات.
شغل العمل في ذلك العياده أطباء برغم تعليمهم المحدود ألا أنهم كانوا أكفياء ومقتدرون في علاج المرضئ وبتوفيق الرحمن.. أمثال المرحوم(عبدالباري السقاف) رحمة الله عليه (وعيسى كومي) و(احمدامقطاط).. والأم الفاضله (بنت السقاف) امدالله باعمارهم ورزقهم عافيتة.
أمام تلك العيادات ومدرستناالتي درجنا وترعرعنا فيها مبنى وملعب لفريق رياضي.. أنهُ نادي الوحدة حوى لفيف من ابناء قريتي بحاراتها الاربع(الشرقية والغربية والسوق والقاهرة) التي كان لكل حارة فريق تمارس المسابقات الرياضية فيما بينهم ومن ذلك الأتحاد شكّل فريق الوحده الرياضي صاحب صدى الجولات الرياضية مع باقي قرى يرامس ( كفريق النصر-قرية الجول) وفريق(الهلال-الروضه العليا) وفريق(العز-قرية المعر)..الأمر الذي طورت الفكرة في بدايات ستينيات القرن الماضي بتاسيس نادِ(الوادي الأخضر) ليشمل تمثيلة ليرامس قاطبه.
ومن النعم أيضا علئ هذه الارض الطيبة.. أنّهُ أذا كنت مسافراً على الأقدام من الروضة العليا ومرورا بامسواد والجول والمعروحتى أبو عامر.. لاتحمل معك ماءً ولازاداً.. فهناك وادياً يغطّيك بغيولة وعيونة المائية العذبة.. وهناك أناساً تغطٰيك بكرمها. فبين كل دهل ودهل وكل جربة وحول شجرة علب(سدر)معمّرة او سقم او أثل محمله بالجعاب فيها الخير الوفير لما اشتهتة نفس المسافر..تأبى مروره نفوس أهلها الّا بعد أطعامة من خيرات تلك الارض وممايزرعون!!
لك الله يايرامس بما حباك الله من النعم ..لازال صدئ الذكريات تلعج صدورنا وتوقض حنينايلهب مشاعرناوتجبرنا الحواس مكرهين للكتابة عنها.. ومهما كتبنا ومهما تحدثنا لم ولن نوفي تلك الأرض الطيبة حقها وحق أهلها.. ولا بمقدرنا في ختام هذاالمقال سوى أستعطافهم باصوات النحيب وعلى نغم أسطورتنا فيروز (ياجبل يلي بعيد خلفك حبايبنا))..
(عبود محمدمقرع)
الخميس16/9/2021
------------------------------
*(1) مساحة دائرية اسفل الجبل خصصت لاقامة المخادر وعقدالمسيرات والمهرجانات انذاك.
*(2)هو صوت يطلقة المؤذن كالمهاياة والابتهال في وقت الاذان الاول في الفجر وقبل اذان صلاة الجمعه ليشعر المصلين بالفريضة نظرا والناس كانت تفتقر لاجهزة المكبرات.
قال القمندان في بعض قصايدة المغناه( اذا حدى حادي ليلة تذكرته فرقت الرقود).
*(3)هي عبارة عن عصاء غليظة من الشجر يتم قطعها وتهذيبها بشكل الرمح.. بعد انكفاء الارض من الري يتم دقها بقوة في مداخل الجربة كمتكأ للسلقة عند تقفيل فتحة دخول السيل للجربة او الدهل ليستقر مائها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق