الجمعة، 29 يونيو 2018

الدحيف..تراث ابين شقره

*الدحيف*

عميد شعراء الدحيف
الشاعرالكبير ابوبكر باسحيم

يعد فن «الدحيف» من أغنى وأهم الفنون الشعبية في اليمن بما يتميز به من تنوع إبداعي ومايشتمل عليه من جزئيات جمالية تكاملية تتضافر أنسجة الفن فيها لتشكل لوحة فسيفساء رائعة يتناغم فيها الشعر واللحن والصوت والإيقاع والرقص ومزاج البيئة الشعبية الحاضنة لهذا الإبداع التراثي الشعبي.
ويرتكز فن الدحيف أساسا على رقصة تسمى (رقصة الدحيف) وموطنها محافظة أبين وعلى الأخص مدينة شقرة الساحلية ويمكن القول تأسيسا على ذلك إن هذه الرقصة هي إحدى الرقصات الشعبية للصيادين ولكن لايمكن أن يكون الدحيف دحيفا حقيقيا عند مؤديه ومرتاديه إلا إذا اقترن بالشعر والغناء والإيقاع وأريحية السامرين، وحفلات الدحيف تقام في مناسبات الزواج عموما، وتستمر الحفلة من متصف الليل حتى إشراقة اليوم التالي ، وتدور خلال هذه الساعات السبع أو الثمان التي تستمر فيها حفلة الدحيف مساجلات ميدانية مرتجلة بين شعراء هذا الفن المعروفين الذين يجتهد كل شاعر منهم في استنهاج استحقاقات المشاركة الجيدة والفاعلة التي يتطلبها هذا النوع من المساجلات مثل :سرعة البديهة، وغزارة القريحة، والحضور الذهني والنفسي الثابت وقوة القدرة على المجادلة ، فضلا عن امتلاك الشاعر خبرة سابقة في إيقاعات وأوزان فن الدحيف التي تنقسم إلى ثلاثة أقسام: الدان الخفيف ، الدان المتوسط والدان الطويل:
2-1 ولقد أنتج لنا هذا الفن الإبداعي الجميل تراثا غنيا من الأغاني ، ثم مع الأيام أصبح إيقاع الدحيف تصورا ذهنيا أخذ الشعراء الشعبيون ينظمون على ألحانه قصائد خارج حلبة مساجلاته الميدانية كلما شعروا بالحاجة إلى التعبير عن موقف من مواقف الحياة، فاكتنزت جعبة فلكلور الدحيف بأسماء شعراء شعبيين مميزين صالوا وجالوا كثيرا في رياضه وأفيائه، وتركوا لنا تراثا شعريا ينطق بالجمال والحكمة والروعة، ويصور مواقف مبدئية لشعرائه من التغييرات والحوادث التي تمور في الواقع حتى أن القارئ لهذا الشعر إذا كان متمكنا من فهم إشاراته ورموزه ومدلولات ألفاظه يستطيع أن يرسم رسما كروكيا للملامح العامة للمجتمع الشعبي المحلي والتغييرات والحوادث التي تدور حوله - وطنيا وعربيا- ومواقف الإنسان اليمني البسيط منها، والتي يعبر عنها نيابة عنه هؤلاء الشعراء الشعبيون المتلصقون به في حماسه وإحباطه، وفرحه وحزنه، ورضاه وغضبه، والذين لايقول الواحد منهم قولا إلا وفي حسبانه إنه لسان حال الأمة أو على الأقل غالبية أبنائها كقول الشاعر:
ورى الليله الدنيا عليها ضباب
وابليس لاقلت كلمة شلها من لساني
ولاسرت في الدحقة سفاني التراب
مغمض العين لارى حد ولا حد يراني
وشمس المغيضة مختفي في السحاب
كم لي ترجاش ياشمس المغيضة تباني
كتب لي التعاسة والشقاوالعذاب
وانا اسعد الناس زين الخلق زاكي المعاني
شجعوني على السرقة ويد الطلاب
ماكان ذه عادتي ولا صفات اليماني
أنا صانع التاريخ ماهوه انتداب
ولي حضارات وسط الغرب تثبت مكاني
ون رجعتوا إلى التاريخ ذي في الكتاب
يشهد لنا سد مارب بين قاصي وداني
وساروا محبيني وديعي صحاب
ومايدريك بعد الان قدهم شواني
بوي قد مات وامي بالمراره مصاب
وخالتي قد بلاها الله بانسان ثاني
لامعوّل ولا ليّه مسوي حساب
تقول قدني مكوّاء من عيال الزماني
كبف سوي بها مادام هذا الجواب
اكيد لاباتربيني ولا هيه تباني
والمنيحة علينا قد كلوها الذياب
والراعية عامده المعزوب تلعب هداني
ياكريم العطا افتح لنا مية باب
بافك بابي وبسمع صاحبي لادعاني
عاد لي قلب ينبض من نبيض الشباب
حتى ولا الشيب داهمني وداهم مكاني

3-1: إن ذلك التعريف السريع بفلكلور الدحيف نراه تمهيدا ضروريا لهذه المداخلة التي سنعرض فيها تجربة أحد فرسانه البارزين وهو الشاعر الشعبي الكبير أبو بكر باسحيم الذي لا أحد من شعراء الدحيف الأحياء إلا وهو يعترف له بشاعريته المتألقة وبراعته وأسبقيته على من عداه في مضمار شعر الدحيف ارتجالا ونظما وفنا وموضوعا حتى استحق من الناس لقب عميد شعراء الدحيف تقديرا للمكانة والأهمية التي يحتلها في هذا المضمار، وعمت شهرته جميع مناطق المجتمع المحلي في أبين، وبين كثير من المهتمين الحقيقيين بالأدب الشعبي اليمني.
ولد الشاعر أبو بكر باسحيم في منطقة شقرة بأبين عام 1941م ودرس حتى الصف الرابع ابتدائي ثم التحق بمدرسة الحياة فاشتغل صيادا يغترف من البحر الخير والحكمة والعمق والتواضع وصفاء الخاطر وحماسة العاطفة والتشبث بالمكان، الوطن/الناس الحقيقيين وإلى جانب ذلك شارك مع الرجال البواسل في حرب التحرير ضد الاستعمار البريطاني حتى تحقيق النصر في 30 نوفمبر 1967م ، التحق بعدها بالسلك العسكري ضمن الحراسة الخاصة للرئيس الراحل سالم ربيع علي (سالمين) ، ثم عين عام 1975م مديرا لمؤسسة الأسماك والتسويق الداخلي ، ثم مديرا لمشروع المياه بشقرة ، ثم عاد إلى البحر حضنه الرؤوف ليواصل تجليات العشق مع قضايا الحياة والوطن ومع الطبيعة النقية حتى إصابته بالشلل في سبتمبر 2002م..
إن رحلة الباسحيم من البحر إلى أحداث البر، ثم العودة مرة أخرى إلى البحر قد علمته أشياء وأشياء ، ودهنت شاعريته بأصباغ متعددة، ففي حين كانت اندفاعته الأولى من البحر إلى أحداث البر مصحوبة بالحماس والبراءة الثورية والصخب والخطابية فإن عودته إلى البحر اتسمت بالإحباط والتذمر والرمزية والحزن..
لقد كان الباسحيم في اندفاعته الأولى شابا متقدا بالعفوية الثورية ، ومؤمنا بإجراءاتها وقدرتها على التغيير الكاسح والشامل ليس على مستوى الساحة اليمنية فقط بل وعلى مستوى المحيط الخارجي الملاصق لها (الجزيرة والخيلج) ومتشيعا تشيعا كاملا لقائد ذلك الزخم الثوري الرئيس الراحل سالمين ، فأتت قصائده التي قالها في هذه الفترة انعكاسا طبيعيا لحالة الغليان الثوري التي تصطرع في داخله والفعل النضالي العفوي الذي يشارك في مسيرته فوق الأرض،

ففي قصيدته (صرخة الحق) التي قالها في عام 1969م في احتفال رسمي يقول الشاعرالكبير/ابوبكرباسحيم:

ألف حيا ومرحب مرحبا بالوفود
مرحب على الراس وعلى العين بطرح وفودي

هذي ليلتي وبذلت فيها جهود
وتحققت بعدما سارت عليها جهودي

سار ناجي ومدرم هوه وعبود
والهندي وعباس وابن الدوح يانود نودي

عليكم سلام الله واطيب برود
ياذي مشيتوا بنا برغم أنف الحسودي

لكم يشهد التاريخ طول الوجود
ياصيحة الحق حطمتي جميع القيودي

وظلوا الطغاة الظالمين شرود
مثيلما البوش ذي ماشي عليهم نشودي

ويستمر على هذا المنوال في قصائده الثورية والوطنية الأولى معبرا عن طبيعة المرحلة حينها يشيد بإنجازاتها ويهاجم أعداءها في الداخل والخارج واصفا إياهم تارة (بالحاقدين)
كما في قوله بمناسبة افتتاح مصنع الأسماك بشقرة عام 1976م:

على عينكم يا أيها الحاقدين
مصنع للاسماك والثاني يصنع حريره

ومصنع لخضرتنا ومصنع طحين
وكل مصنع هنا شبابنا ذي يديره

كفى حقدهم وماضى من سنين
كفى كفى ياحياة السلطنة والعشيرة

وتارة أخرى يصفهم
بـ(النفوس الحقيرة)
كما في قوله:

توعدونا بدكة توعدونا بطين
ولابنيتوا حجر ولازرعتوا مطيرة

وكم من مآسي كلتها بالثمين
تاريخكم زفت يا اصحاب النفوس الحقيرة

وتارة ثالثة يختار لهم وصف
(النفوس المريضة)
كما في قوله بمناسبة افتتاح مزرعة الدواجن بشقرة:

حلمنا قد تحقق والأمل مايزال
يراود افكارنا تحقيق أشياء كثيرة

والنفوس المريضة سابحة في الخيال
وحنا سرحنا وتدوي اصواتنا في المسيرة


نشر
جروب الـدحيف تراث شقرة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق