( شخبطات دوشنيه )
العقوبــة القاسية ‼
======================
✍🏼 م/ سالم دوشن
أبين/ الگود
… جدول مياه سيلة ( بله)" الغيل" ينساب رقراقا ً نزولا من عيون مائيه لا أعرف موقعها بالضبط. تجمعت مع بعضها وأتحدت لتشكل غيل وادي سيلة بله.
مابعد الجهة الشماليه الشرقية لمنطقة " العند" في الطريق إلى مناطق الحبيلين ، العسكريه يافع ، والضالع.
تتقاطع طريق المياه مع الطريق الرئيسي الأسفلت في شكل علامة❌.
على جانبي الطريق الجبلي أرتصت في حضن وقدم الجبل العديد من الأكواخ الكرتونيه تغطت أسقفها بطرابيل النايلون الزرقاء، هي سكن ومأوى لبعض الفقراء والمعوزين الذين يتسوّلون المارة في السيارات لكسب قوتهم اليومي. سحنات وجوه سمراء مرقعة الثياب. شعر منكوش بلا إهتمام وعنايه تربع فوق رؤوسهم. وأيادي ممدودة لنساء وصبيه وكبار سن هدهم العمر والعوز أعتادت تسوّل العابرين المسافرين على هذا الطريق ..
..المكان جعلت منه مياه الغيل إستراحة للمسافرين القادمين من مسافات بعيدة وفترة قسط راحة وتناول وجبة ما ولغسيل السيارات بمياه الغيل..
حامد ..طفل ذو الإثني عشر ربيعا ً يحمل في يده سطل مياه وفي الأخرى خرق قماش شبه قديمه..
يستعد حامد وأقرانه من الأطفال للمنافسه على غسيل السيارات بمياه غيل( سيلة بله) والحصول على لقمة عفيفه شريفه بعرق جبينهم تقيهم شر التسوّل !!.
أطفال الغسيل يعج بهم المكان. آمالهم تتطلع إلى ما هو أوسع في أفق حياتهم ،لكنهم حبيسون وسجينون بقيد العادات والتهميش من الناس و المجتمع!
أسر وعائلات المسافرين أفترشت ضفاف النهر الصغير.. ملأت فضاءه تغريدات وهديل الحمام والقمري وزغزغة العصافير التي تناوبت وتبادلت المكان..مجموعة الطحالب الخضراء المصفرّة علََت سطح المياه لتجد الضفادع وبعض الكائنات المائيه مرتعا لها.
من بعيد بجوار المكان تتوقف سيارة فارهه ، لوحة أرقامها المعدنيه تشي بأحد الدول الخليجيه يترجل منها شيخ وقور وعائلته للإستراحه علامات الثراء والنعمه باديه على محياهم.
لدى ترجلهم من السيارة يهرع ..حامد .. وأصحابه إليهم في عجله ليحظى أحدهم بالسبق لغسيل السياره.. حامد. كان الأول.. وتشرّف بمهمة غسلها ، يذهب الرجل (اليافعي اللبعوسي )مع عائلته بعيدا في الضفه المقابله.
كان للأقدار تدخل في إفساد لحظات الفرح التي تجتاح ..حامد..
أقرانه يحسدونه ويدخلوا في عراك وإشتباك بينهم..
في لحظات مروعة يتناول أحدهم حجر. ليرمي بها ..حامد . ولكنها تخطي هدفها فتهشم زجاج مقدمة السيارة الغالي الثمن يهرب أصحابه ويتفرقوا عنه بعيدا. يصاب حامد بالهلع وتنتابه نوبه هستيريه من الخوف والرعب ، تتشنج عضلات وجهه ولم يعد قادرا على الصياح او البكاء وتتقيد رجليه ولم يقو على الهروب.
تجمهرت الناس حول السيارة لما حدث ، هرج ومرج وتهديد ووعيد للطفل كاد أن يفقد فيها روحه أو صريعا مشلولا،.
يتناهى الخبر إلى مالك السيارة فيأتي مسرعا وعيناه تتطاير شررا مستنكرا لما حدث لسيارته الأنيقه. يقترب ويقترب فيسأل عما حدث؟
تأتيه الإجابه زورا وبهتانا.. أنه:
حامد حامد هو من كسر زجاج (فريم) السيارة. !!
يلتفت نحو.. حامد. ..فإذا هو مصفر وشاحب الوجه وتعتري جسده رعشه لا إراديه خوفاً ً من عقوبة هذا الرجل.
نظر إليه الرجل اليافعي ثم مرر بأصابعه على شعرات رأس حامد. ليهدئ من روعه، ويقول للحاضرين:
الآن مش وقت العقاب.. أنا مستعجل للوصول الى ..عدن.
من منكم يضمن حضورة في هذا المكان بعد ثلاث أيام.. لتنفيذ العقوبه وتحميله تكاليف الكسر.
بدأت ملامحه قاسيه وهو يتكلم..
ينبري أحد الحاضرين من وجوه تلك المنطقه ويقول لمالك السيارة.. انا أضمنه.. هذا طفل فقير متكفل بمعيشة أسرتة بهذا العمل.
ينهره بقوه بقوله:
-- تضمن حضوره أو لا؟
يتعهد الرجل بذلك.
تمر الأيام الثلاث الموعوده كحمل جبال أضعفت جسد حامد وأفقدته شهيته وصار هزيلا.
شمس صباح اليوم الثالث تنشر نورها على سفوح الجبال المجاوره والمحيطة ل سيلة بله.ماء الغيل كعادته مستمر في الجريان غير آبه بما يجري ويحدث حول ضفتيه .!
قبيل منتصف النهار تتوقف سيارة قادمه من عدن ترجل منها عدة أشخاص يسؤلون عن أسم الشخص الذي كسر الزجاج وأسم الضامن له.
لحظات ويتجمهر الناس من جديد في ترقب و فضول لمعرفة ما سيحدث ؟
يتم أحضار حامد والضامن. يلتفت أحدهم إلي المتجمهرين ويقول لهم :
---- نحن من جهة مالك السيارة لتنفيذ عقوبة التكسير !
يسيطر عليهم الوجوم،لحظات تمر والهم يكبر في صدر حامد المغلوب على أمره .
ياجماعة الخير!
إن الشيخ الوقور مالك السيارة قد أرسل عقوبته ل حامد.. وهاهي!
يَسْحَب أحدهم حامد من يده المرتعشه ويكشف عن غطاء طربال. نايلون في سطح السيارة القادمة من عدن تدثرت به ويظهر ما أخفاه الطربال فإذا به ماطور شفط مياه وخرطوم رش مياه طويل ..ويقول لحامد:
هذه عقوبتك من الشيخ الوقور!!
أنت من اليوم لست مضطر لحمل سطل بالدي الماء ولا الخرق الباليه.. هذا الماطور والخرطوم سيغنيك عن تعب تلك الأيام.
تتأثر الجموع بهذا الموقف الإنساني وتذرف الدموع.
لله درها من عقوبه!
الخير في الناس لازال..
يحدثني رفيقي في رحلتي إلى الضالع بذلك..
ألتفت أليه قائلا: -وبعدين!
يرد :
كما تشوف. من يومها أنتشرت ماطورات غسيل السيارات في سيلة بله.
أنتظر منه المزيد ليقوله لي..
ينظر إلي ضاحكا ً ويقول:
(مالك عيونك ..مبهررة. انزل من السيارة شعنا قد وصلنا الفندق قدنا في الضالع.. ياحاج سالم! )
25 مارس 2019م🤚🏻
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق